الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

جامع أحمد بن طولون


مئذنة جامع أحمد بن طولون المعروفة بالملوية، وهى نادرة الطراز حيث بنيت طراز مئذنة جامع سامرا بالعراق والتى دمرت حديثاً أثناء القصف العراق،وتتكون من طابقين مربعين يعلوهما طابقان مثمنان، وهي ذات سلم خارجي يدور حول بدنها حتى أعلاها، ويتوج ذلك كله طاقية مفصصة يعلوها هلال نحاسى، ويظهر بالجزء السفلى دخلتان معقودتان بعقدين على شكل حدوة الفرس (نافذة توأمية) يرتكزان على عمود حجري.


جامع أحمد بن طولون 263-265 هجرية = 876/877-879م. كان طولون أحد المماليك الأتراك الذين أهداهم عامل بخارى إلى الخليفة المآمون فظل يترقى فى خدمة البلاط العباسى حتى بلغ مصاف الأمراء، ونشأ ابنه - أحمد بن طولون - محبا للعلم مشغوفا به فحفظ القرآن ودرس الفقه والحديث وأظهر من النجابة والحكمة ما ميزه على أترابه. فلما تقلد باكباك إمارة مصر من قبل الخليفة العباسى أنابه عنه فى ولايتها فقدم إليها سنة 254 هجرية = 868م وكان من حظه أن وهبت مصر إلى حميه الأمير ماجور بعد وفاة باكباك فأقره على ولايتها. وكانت ولاية أحمد بن طولون على مصر أول الأمر قاصرة على الفسطاط أما أمر الخراج فكان موكولا إلى ابن المدير فما زال بحسن سياسته يوسع فى نفوذه حتى شمل سلطانه مصر جميعها وتولى أمر الخراج وامتد نفوذه إلى الشام وبرقة وأسس الدولة الطولونية التى حكمت مصر من سنة 254 إلى 292 هجرية = 868 إلى 905م وتوفى سنة 270 هجرية = 884م وفى الواقع تعتبر شخصية أحمد بن طولون من الشخصيات الهامة فى تاريخ مصر الإسلامى إذ تتمثل فيها النقلة التى انتقلتها مصر من ولاية تابعة للخلافة العباسية إلى دولة ذات استقلال ذاتى. بعد أن أتم أحمد بن طولون بناء قصره عند سفح المقطم وأنشأ الميدان أمامه وبعد أن فرغ من تأسيس مدينة القطائع شيد جامعه العظيم على جبل يشكر فشرع فى بنائه سنة 263 هجرية = 876/ 77م وأتمه سنة 265 هجرية = 879م ودون هذا التاريخ على لوح رخامى مثبت على أحد أكتاف رواق القبلة. وهو وإن كان ثالث الجوامع التى أنشئت بمصر يعتبر من أقدم جامع احتفظ بتخطيطه وكثير من تفاصيله العمارية الأصلية، ذلك لأن أول هذه الجوامع جامع عمرو الذى بنى سنة 21 هجرية = 642م لم يبق أثر من بنائه القديم كما أن ثانيهما وهو جامع العسكر الذى بنى فى سنة 169 هجرية = 785/ 86م قد زال بزوال العسكر. تناولت يد الإصلاح هذا الجامع كما امتدت إليه يد التدمير والخراب فى فترات من عصوره المختلفة شأنه فى ذلك شأن كثير من المساجد الأثرية الأخرى. ففى سنة 470 هجرية = 1077/ 78م قام بدر الجمالى وزير الخليفة المستنصر الفاطمى ببعض إصلاحات بالجامع أثبتت على لوح رخامى مركب أعلى أحد أبواب الوجهة البحرية وأمر الخليفة المستنصر بعمل محراب من الجص بأحد أكتاف رواق القبلة بلغت فيه صناعة الزخرفة الجصية حد الدقة والإتقان ذلك عدا محرابين جصيين آخرين عمل أحدهما فى العصر الطولونى والثانى فى العصر الفاطمى وكلاهما برواق القبلة أيضا إلا أن أهم إصلاح أدخل على الجامع هو ذلك الذى قام به السلطان حسام الدين لاجين سنة 696 هجرية = 1296/ 97م فقد أنشأ - 1 - القبة المقامة وسط الصحن والتى حلت محل القبة التى شيدها الخليفة الفاطمى العزيز بالله سنة 385 هجرية = 995م بدلا من القبة الأصلية التى احترقت سنة 376 هجرية = 986م - 2 - المئذنة الحالية ذات السلم الخارجى - 3 - المنبر الخشبى - 4 - كسوة الفسيفساء والرخام للمحراب الكبير - 5 - قاعدة القبة التى تعلو هذا المحراب - 6 - كثيرا من الشبابيك الجصية - 7 - محرابا من الجص مشابها للمحراب المستنصرى بالكتف المجاورة له - 8 - سبيلا بالزيادة القبلية جدده قايتباى فيما بعد وأصلحته إدارة حفظ الآثار العربية أخيرا. وفى أواخر القرن الثانى عشر الهجرى - الثامن عشر الميلادى - استعمل هذا الجامع مصنعا للأحزمة الصوفية كما استعمل فى منتصف القرن الماضى ملجأ للعجزة. وما كادت تنشأ لجنة حفظ الآثار العربية سنة 1882م حتى شرعت فى انتشاله من وهدته وأخذت فى ترميمه وإصلاحه إلى أن كانت سنة 1918م حين أمر المغفور له الملك فؤاد الأول بإعداد مشروع لإصلاحه إصلاحا شاملا وتخلية ما حوله من الأبنية ورصد لذلك أربعون ألف جنيه أنفقت فى تقويم ما تداعى من بنائه وتجديد أسقفه وترميم بياضه وزخارفه. يتكون هذا الجامع من صحن مكشوف مربع تقريبا طول ضلعه 92 مترا تتوسطه قبة محمولة على رقبة مثمنة ترتكز على قاعدة مربعة بها أربع فتحات معقودة وبوسطها حوض للوضوء ويسترعى النظر فيها وجود سلم داخل سمك حائطها البحرية يصعد منه إلى منسوب الرقبة. ويحيط بالصحن أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة ويشتمل على خمسة صفوف من العقود المدببة المحمولة على أكتاف مستطيلة القطاع استديرت أركانها على شكل أعمدة ملتصقة ويشمل كل من الأروقة الثلاثة الأخرى على صفين فقط. ويغطى الأروقة الأربعة سقف من الخشب حديث الصنع عمل على نمط السقف القديم وبأسفلة ركب الإزار الخشب القديم المكتوب عليه من سور القرآن الكريم بالخط الكوفى المكبر. ويبلغ طول الجامع 138 مترا وعرضه 118 مترا تقريبا يحيط به من ثلاثة جهات - البحرية والغربية والقبلية - ثلاث زيادات عرض كل منها 19 مترا على وجه التقريب ويكون الجامع مع هذه الزيادات مربعا طول ضلعه 162 مترا ويتوسط الزيادة الغربية الفريدة فى نوعها والتى لا توجد مثيلة لها فى مآذن القاهرة وأغلب الظن أنها اقتبست سلمها الخارجى من المنارة الأصلية للجامع ولعلها قد بنيت على نمط مئذنة سامرا وهى تبتدئ مربعة من أسفل ثم أسطوانية وتنتهى مثمنة تعلوها قبة ويبلغ ارتفاعها أربعين مترا. ووجهات الجامع الأربع تسودها البساطة وليس بها من أنواع الزخرف سوى صف من الشبابيك الجصية المفرغة المتنوعة الأشكال والمختلفة العهود بين كل منها تجويفة مخوصة وتنتهى الوجهات كما تنتهى أسوار الزيادات بشرفات مفرغة جميلة ويقابل كل باب من أبواب الجامع بابا فى سور الزيادة ذلك عدا بابا صغيرا فتح فى جدار القبلة كان يؤدى إلى دار الإمارة التى أنشأها أحمد بن طولون شرق الجامع. ويتوسط جدار القبلة المحراب الكبير الذى لم يبقى من معالمه الأصلية سوى تجويفه والأعمدة الرخامية التى تكتنفه وما عدا ذلك فمن عمل السلطان لاجين كما ذكر آنفا. ويعلو الجزء الواقع أمام المحراب قبة صغيرة من الخشب بدائرها شبابيك جصية مفرغة محلاة بالزجاج الملون ويقوم إلى جانب المحراب منبر أمر بعمله السلطان لاجين أيضا وحل محل المنبر الأصلى وهو مصنوع من الخشب المجمع على هيئة أشكال هندسية تحصر بينها حشوات محلاة بزخارف دقيقة بارزة وهذا المنبر يعتبر من أجمل منابر مساجد القاهرة وأقدمها وهو إن جدد الكثير من حشوه يعتبر من حيث القدم ثالث المنابر القائمة بمصر: فأولها منبر المسجد الموجود بدير القديسة كاترين بسينا والذى أمر بعمله الأفضل شاهنشاه فى أيام الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله سنة 500 هجرية = 1106م وثانيها منبر المسجد العتيق بقوص الذى أمر بعمله الصالح طلائع سنة 550 هجرية = 1155م. بقيت الزخارف الجصية التى نشاهدها حول العقود والفتحات وفى بعض بواطن العقود المشرفة على الصحن فهى وإن رمم الكثير منها إلا أنها لازالت باقية بطابعها الطولونى المستمد عناصرها من زخارف سامرا. أما الزخارف المحفورة فى تجليد أعتاب بعض الأبواب فإنها قريبة الشبه جدا من زخارف سامرا.

المحراب الرئيسى لجامع أحمد بن طولون تجديد السلطان لاجين696هـ، ويتوسط الجدار الجنوبى الشرقي لظلة القبلة، ويتقدم المحراب عقد مدبب من الجص وهو محمول علي عمودين من الرخام لهما بدن اسطواني وقاعدة مربعة وتاج به زخارف نباتية أما طاقية المحراب فقد صنعت من الخشب المزخرف بنقوش زيتية، ويوجد بكوشتي هذا العقد زخارف نباتية وهندسية متداخلة، وقد زخرف الجزء العلوى من باطن المحراب بفصوص من الفسيفساء الذهبية والزجاجية المتعددة الألوان وكتب بها بالخط النسخى "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، أما الجزء السفلي فقد غشى بالرخام الملون.


المدخل الحالى لجامع أحمد بن طولون بالواجهة الشمالية الشرقية من داخل الزيادة الشمالية الشرقية، ويتقدم هذا المدخل سلم نصف دائري مكون من 8 درجات وبسطة نصف دائرية تؤدي إلي فتحة الدخول التى يحيط بها إطار خشبي، يعلوه نافذة معقودة بعقد مدبب مغشاة بشباك من الجص، كما زخرفت الواجهة من أعلى المدخل بدخلات صماء مستطيلة معقودة بعقود مدببة تحصر فيما بينها أشكال رباعية مزخرفة من أعلاها بزخارف تشبه الفصوص، ويعلو ذلك إزار بارز من الآجر، ويتوج هذه الواجهة شرافات علي هيئة عرائس متشابكة الأيدى وكأنها فى صفوف الصلاة.



السقف الخشبى لظلة القبلة بجامع أحمد بن طولون، وهو عبارة عن سقف خشبي مسطح محمول علي براطيم خشبية كما يوجد إزار خشبي أسفل السقف، وتظهر الدعامات المستطيلة الشكل، ضخمة التكوين التى بنيت من الآجر، وفي الأركان الأربعة لكل دعامة قام المعمارى بتشكيل أربعة أعمدة مدمجة ذات تيجان جصية مزخرفة بزخارف نباتية محورة فيما عرف بطراز سامرا، وهذا السقف من أعمال لجنة حفظ الآثار العربية.



لواجهة الشمالية الشرقية لجامع أحمد بن طولون من داخل الزيادة الشمالية الشرقية، وهي مبنية من الآجر، وتحتوى هذه الواجهة على سبعة فتحات مداخل، يعلو هذه الفتحات صف من الدخلات، وتضم هذه الدخلات 31 نافذة معقودة بعقد مدبب ومغشاة بأحجبة من الجص المفرغ بالزخارف، وتحصر هذه النوافذ فيما بينها دخلات صماء مستطيلة معقودة بعقود مدببة، و تحصر النوافذ والدخلات الصماء فيما بينها أشكال رباعية مزخرفة بزخارف تشبه الفصوص، يعلو هذه الدخلات إزار بارز من الآجر،ويتوج هذه الواجهة شرفات علي هيئة عرائس متشابكة الأيدي وكأنها فى صفوف الصلاة.


فوارة جامع أحمد بن طولون، وهى بوسط الصحن، وتتكون من تربيع سفلى فتح بكل ضلع من أضلاعه الأربعة فتحة باب معقودة بعقد مدبب، واستخدمت الأحجار الملونة فى بناء هذا الجزء لإضافة طابع زخرفى وجمالى، يعلوه نواصى مناطق الإنتقال من الخارج والتى تأخذ شكل متدرج، وتحصر فيما بينها نوافذ ذات ثلاث فتحات معقودة بعقود منكسرة، وتظهر القبة الملساء التى تغطى تلك الفوارة، كما فتح برقبة القبة ثمانية نوافذ معقودة بعقود منكسرة. كما يظهر بخلفية الصورة جامع محمد على بالقلعة.



جامع عمرو بن العاص

جامع عمرو بن العاص 21 هجرية = 642م. عندما فتح المسلمون مصر على يد عمرو بن العاص أسس مدينة الفسطاط وأنشأ بها سنة 21 هجرية = 642ميلادية مسجدا سمى باسمه وكان هذا المسجد غاية فى البساطة، فقد بلغت مساحته30 فى 50 ذراعا وبنيت حوائطه باللبن وفرشت أرضه بالحصى وصنع سقفه من الجريد واتخذت أعمدته من جذوع النخل ولم تغفل عنه يد الأقدار فبدلت فيه وغيرت فى فترات متعاقبة فلم تبق من معالمه الأولى سوى المكان الذى شيد عليه وقد احتفظ لنا التاريخ بصور متلاحقة مما تعاره من تحويل وتعديل منذ إنشائه إلى الآن وقد انتهى ذلك كله باتساع رقعته وارتفاع سقوفه بعد أن استبدلت بجذوع النخل عمد من الرخام وزينت جدرانه وزاد عدد أبوابه كما ظهرت به بعض عناصر عمارية هامة لم تكن من قبل ففى سنة 53 هجرية = 672/73م أمر معاوية - أول خلفاء بنى أمية- واليه على مصر مسلمة بن مخلد بإنشاء أربع صوامع على نمط الأبراج التى كانت بأركان المعبد القديم بدمشق وجعل الوصول إليها من مراق خارج الجامع ولم تكن هذه الصوامع سوى أبراج مربعة كانت فى الواقع نواة للمآذن التى أنشئت بمصر بعد ذلك مما نرى الكثير منها الآن وقد تطورت تصميماتها وتنوعت أشكالها. وثمة ظاهرة عمارية أخرى بدت فى تصميمه وهى المحراب المجوف إذ كان محرابه الأصلى مسطحا ففى سنة 93هجرية = 712م أحدث به قرة بن شريك - والى مصر من الوليد بن عبد الملك - المحراب المجوف مماثلا للمحراب الذى أحدثه بمسجد المدينة عمر بن عبد العزيز سنة 88هجرية = 706/7م. وكانت التوسيعات التى حدثت بالجامع فى عصر الدولة الأموية متفاوتة إلى أن كانت سنة 212هجرية = 827م إذ أمر عبد الله بن طاهر - والى مصر من قبل الخليفة العباسى المأمون - بتوسيعه من الجهة الغربية بما يعادل مساحته وقتئذ فتضاعفت رقعته وأصبحت112فى120 مترا تقريبا وكانت ذلك خاتمة التوسيعات التى حدثت به وبقى الجامع محتفظا بمساحته هذه إلى الآن وكان تخطيطه فى ذلك الوقت مؤلفا من صحن مكشوف تحيط به أربعة أروقة يشتمل رواق القبلة منها على سبعة صفوف من العقود موازية لجدار المحراب وتمتد بكامل عرض الجامع ومثلها فى رواق المؤخرة كما يشتمل كل من الرواقين الجانبين على سبعة صفوف من العقود موازية لجدار المحراب أيضا وتنتهى عند الصحن، وكان للجامع ثلاثة عشر بابا ثلاثة منها بالجدار البحرى وخمسة فى الجدار الشرقى وأربعة فى الجدار الغربى وواحد فى الجدار القبلى كما فتح بأعلى حوائطه الأربع شبابيك معقودة بين كل اثنين منها تجويف مغطى بطاقية مخوصة وهذا الجامع بحالته التى نشاهده عليها الآن يشتمل على فناء كبير يؤدى إليه ثلاثة أبواب مفتوحة فى وجهته الشمالية وينتهى من الجنوب برواق القبلة الذى يتألف من تسعة عشر صفا من العقود المحمولة على عمد من الرخام فى اتجاه عمودى على جدار المحراب يرجع عهدها إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادى وإن أهم ما يسترعى النظر فى هذا الرواق بقايا طبال خشبية تعلو بعض تيجان الأعمدة محفور عليها زخارف بارزة يرجع عهدها إلى عمارة عبد الله بن طاهر سنة 212هجرية = 827م. أما حوائط الخارجية فمزيج من عصور مختلفة أهمها ما يرجع أيضا إلى أيام عبد الله بن طاهر وقوامها بعض شبابيك بالوجهة الغربية بزخارفها المحفورة على الخشب كما يوجد بهذه الوجهة وبالوجهة البحرية بعض شبابيك يرجع عهدها إلى عمارة الأمير سلار لهذا الجامع سنة 703هجرية = 1304م وقد شملت هذه العمارة ذلك المحراب الجصى الجميل الذى لازال موجودا إلى الآن بالوجهة البحرية..

مشهد السيدة رقية


مشهد السيدة رقية 527 هجرية = 1133م. من مشاهد الرؤيا المشيدة بمصر مشهد السيدة رقية ابنة سيدنا على بن أبى طالب أنشىء سنة 527 هجرية = 1133م أيام الحافظ لدين الله ثامن الخلفاء الفاطميين بمصر ولم يبق منه سوى إيوانه الشرقى الذى يتكون تخطيطه من رواق أمامى محمولة عقوده على زوجين من الأعمدة الرخامية وله باب يؤدى إلى حيز مربع أمام المحراب تغطيه قبة مضلعة محمولة على رقبة مثمنة ويحف به من الجانبين إيوانان صغيران بكل منهما محراب. وقد ظهرت القبة المضلعة فى مصر لأول مرة أعلى ضريح السيدة عاتكة المنشأ فى أوائل القرن السادس الهجرى - الثانى عشر الميلادى - ثم فى قبتى الشبيهى والسيدة رقية وترتكز رقبة هذه القبة على أربعة أركان من المقرنص يشتمل كل منهما على صفين من الطاقات يعلو كل ثلاث منها طاق واحد - شأنها فى ذلك شأن قبتى الجعفرى وعاتكة والقبة المعروفة بقبة الشيخ يونس خارج باب النصر التى يظن أنها لبدر الجمالى أنشأها حوالى سنة 480 هجرية = 1087م وهى إن صح ذلك تعتبر الخطوة الأولى فى تطور المقرنص الذى ابتدأ بشكل طاق واحد فى قبتى جامع الحاكم ومسجد الجيوشى ثم سار فى مدراج الرقى والتهذيب خطوات واسعة إلى أن أصبح كما نشاهده الآن فى القباب المملوكية وقد تعددت حطاته وتنوعت أشكاله. وأهم ما يسترعى النظر فى هذا المشهد محرابه الجصى الكبير الذى يعتبر قطعة زخرفية رائعة الجمال فهو يتكون من تجويف تغطيه طاقية مضلعة تتشعع أضلاعها من جامة مزدانة فى الوسط بكلمة - على - يحيط بها كلمة - محمد - مكررة وتنتهى هذه الأضلاع عند حافة عقد الطاقية بمقرنصات وعلى توشيحتى العقد زخارف جميلة يعلوها طراز من الكتابة الكوفية المزخرفة يميل قليلا إلى الخارج فوقه طراز آخر مزخرف بوحدات مضفرة. ويرى وسط الإيوان أمام المحراب الكبير تابوت من الخشب حلى بزخارف بارزة جميلة وازدان بكتابات كوفية مزخرفة اشتملت على آيات من القرآن الكريم وعلى تاريخ صنعه سنة 533 هجرية = 1138/ 39م وقد صنع لهذا المشهد محراب متنقل من الخشب بين سنتى 549 ، 555 هجرية = 1154 - 1160م حافل بشتى الزخارف والكتابات بلغت فيه صناعة النجارة وزخرفتها مستوى رفيعا من الروعة والبهاء وهو مودع الآن بدار الآثار العربية مع محرابين آخرين صنع أحدهما بين سنتى 532 - 541 هجرية = 1137 - 1147 لمشهد السيدة نفيسة والثانى أمر بصنعه الآمر بأحكام الله الفاطمى للجامع الأزهر سنة 519 هجرية = 1125م.

المشهد الحسينى

المشهد الحسينى 549 هجرية = 1154/ 55م. أنشىء المشهد الحسينى سنة 549 هجرية = 1154/ 55م لينتقل إليه رأس الحسين بن على بن أبى طالب ولم يبق منه الآن غير الباب المعروف بالباب الأخضر الذى يقع شرق الوجهة القبلية للمسجد أما المئذنة المقامة فوق الباب فيستدل من كتابة تاريخية على لوحة مثبتة أسفلها أنها بنيت سنة 634 هجرية = 1237م فى أواخر العصر الأيوبى وهذه لم يبق منها أيضا سوى قاعدتها المربعة التى تحليها زخارف جصية بديعة أما ما يعلوها فقد جدده الأمير عبد الرحمن كتخدا كما جدد المشهد والقبة المقامة على الضريح سنة 1175 هجرية = 1761/ 62م وقد حليت هذه القبة من الداخل بالنقوش الملونة التى يتخللها التذهيب وكسى محرابها والجزء الأسفل من جدرانها بوزرة من الرخام الملون. ولما تولى الخديو إسماعيل سنة 1279 هجرية = 1863م أمر بتجديد المسجد وتوسيعه فبدئ فى العمل سنة 1280 هجرية = 1864م وتم سنة 1290 هجرية = 1873م فيما عدا المئذنة التى كمل بناؤها سنة 1295هجرية = 1878م. ويشتمل المسجد على خمسة صفوف من العقود المحمولة على أعمدة رخامية ومحرابه من الخردة الدقيقة التى اتخذت قطعها الصغيرة من القاشانى الملون بدلا من الرخام وهو مصنوع سنة 1303 هجرية = 1886م وبجانبه منبر من الخشب يجاوره بابان يؤديان إلى القبة وثالث يؤدى إلى حجرة المخلفات التى بنيت سنة 1311 هجرية = 1893م حيث أودعت فيها المخلفات النبوية. والمسجد مبنى بالحجر الأحمر على الطراز الغوطى أما منارته التى تقع فى الركن الغربى القبلى فقد بنيت على نمط المآذن العثمانية فهى أسطوانية الشكل ولها دورتان وتنتهى بمخروط. وللمشهد ثلاثة أبواب بالوجهة الغربية وباب بالوجهة القبيلة وآخر بالوجهة البحرية يؤدى إلى صحن به مكان الوضوء. وكان من أهم ما عثر عليه فى المشهد الحسينى تابوت خشبى جميل وجد مودعا فى حجرة أسفل المقصورة النحاسية وسط القبة يتوصل إليها من فتحتين صغيرتين بالأرضية وأول من شاهده وأشار إليه هو المرحوم السيد محمد الببلاوى شيخ المسجد الحسينى فى كتابه - التاريخ الحسينى- سنة 1321 هجرية = 1903م ولم يكن قد شاهده أو عاينه أحد من علماء الآثار أو المشتغلين بها إلى أن كانت سنة 1939م حيث أمر حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول بإصلاح أرضية القبة وفرشها بالرخام فانتهزت إدارة حفظ الآثار العربية هذه الفرصة للتحقق من وجود هذا التابوت ولما وجدته وعاينته تبين لها أنه تحفة فنية رائعة جديرة بالحفظ والصيانة فرفعته من مكانه وأصلحته ثم نقلته إلى دار الآثار العربية ليعرض بها. ولهذا التابوت ثلاثة جوانب وهو مصنوع من خشب التك المستورد من جزر الهند الشرقية وقد قسمت وجهته وجانباه إلى مستطيلات يحيط بها ويفصلها بعضها عن بعض إطارات محفورة بالخطين الكوفى والنسخ المزخرفين وتجمعت هذه المستطيلات على هيئة أشكال هندسية بداخلها حشوات مزدانة بزخارف نباتية دقيقة تنوعت أشكالها وأوضاعها وأحيطت بعض هذه الحشوات بكتابات منها - نصر من الله وفتح قريب - الملك لله -..الخ.. وجميع الكتابات المحفورة على أوجه هذا التابوت آيات قرآنية ولا يوجد بينها أى نص يشير إلى تاريخ صنعه أو اسم الآمر بعمله إلا أن روح الزخارف وطرازها وقاعدة الكتابات واجتماع الخطين الكوفى والنسخ ومقارنته بتابوت الإمام الشافعى المصنوع سنة 574 هجرية = 1178م كل ذلك يدل على أنه صنع فى العصر الأيوبى والمرجح أن يكون الآمر بعمله هو السلطان صلاح الدين الأيوبى.

جامع الصالح طلائع


جامع الصالح طلائع 555 هجرية = 1160م. يقع هذا الجامع خارج باب زويلة أنشأه الصالح طلائع بن رزيك وزير الفائز بنصر الله عاشر الخلفاء الفاطميين بمصر سنة 555 هجرية = 1160م. وتخطيطه من الداخل لا يختلف عما تقدم عليه من الجوامع إذ يتألف من صحن مكشوف تحيط به أربعة أروقة مسقوفة أكبرها رواق القبلة الذى يشتمل على ثلاثة صفوف من العقود المحمولة على أعمدة رخامية ويشتمل كل من الأروقة الثلاثة الأخرى على صف واحد فقط وجميع عقود الجامع محدبة الشكل وهى مبنية بالطوب على حين بنيت حوائط الجامع الأربعة من الخارج بالحجر ومن الداخل بالطوب وهى ظاهرة انفرد بها هذا الجامع. ويحلى حافة عقود رواق القبلة طرز من الكتابة الكوفية المزخرفة كما تحلى خواصرها أطباق مستديرة مفرغ وسطها بأشكال هندسية يحيط بها إطارات زخرفية. ويعلو العقود نوافذ مربعة من الجص المفرغ وتربط أرجلها طبال وأوتار خشبية محلاة بزخارف محفورة. أما صدر رواق القبلة فيزين أعلاه شبابيك جصية مفرغة برسومات دقيقة محلاة بزجاج ملون تحف بها طرز من الكتابة الكوفية ويسود المحراب الذى يتوسط حائط القبلة البساطة التامة وقد غطيت طاقيته بالخشب المنقوش وإلى جواره منبر خشبى دقيق الصنع يستدل من الكتابة التاريخية الموجودة أعلى باب مقدمه على أنه من عمل الأمير بكتمر الجوكندار سنة 699 هجرية = 1299/ 1300م وهو الذى قام بترميم الجامع أيام الناصر محمد بن قلاون ويعتبر هذا المنبر رابع المنابر القديمة القائمة بمصر. وللجامع ثلاثة مداخل يتوسط أحدهما الوجهة البحرية ويتوسط الثانى الوجهة القبلية وكلاهما يقع فى بروز بسيط يغطى أعلاه عقد محدب حلى داخله بمخوصات تتشعع من عقد مسدود وكلتا الوجهتين مقسمة إلى صفف قليلة الغور تنتهى بعقود محدبة وتعتبر هذه الظاهرة - ظاهرة تقسيم الوجهات إلى صفف - الأولى من نوعها. وقد نسج على منوالها فى وجهة المدرسة الصالحية وقبة الصالح نجم الدين ثم اتبعت فيما جاء بعد ذلك من المساجد المملوكية. اما المدخل الغربى وهو المدخل الرئيس فيعلو فتحة بابه عتبة مزررة فرقها عقد عاتق وكان له باب خشبى ذو مصراعين قسمت وجهته الخلفية إلى حشوات محلاة بزخارف فاطمية جميلة وصفحت الوجهة الأمامية بألواح نحاسية ذات حشوات مفرغة بزخارف مملوكية وهذا الباب محفوظ بدار الآثار العربية وقد عمل الباب الحالى للجامع على مثال الجامع القديم تماما. ويتقدم هذا المدخل رواق محمولة عقوده المحدبة على أعمدة رخامية يكون مع حجرتين قائمتين على طرفيه وجهة الجامع الغربية التى تعتبر بنظامها هذا وجهة فريدة المثال. هذا ويحلى وجهتى الحجرتين المكتنفتين هذا الرواق صفتان تنتهى كل منهما بعقد مخوص تتشعع تخويصاته من جامة مستديرة بها حليات نجمية ويوجد بهذه الوجهة والوجهة البحرية بقايا طرازين من الكتابة الكوفية المشتملة على اسم الفائز بنصر الله ووزيره الصالح طلائع وألقابه وتاريخ التأسيس 555هجرية أما مئذنة الجامع الأصلية فكانت مقامة أعلى هذا المدخل ثم هدمت فى وقت ما وحلت محلها مئذنة ثانية هدمت كذلك. ويعتبر هذا الجامع من الجوامع المعلقة أى المنشأة مرتفعة عن منسوب الطريق كى يتيسر إنشاء حوانيت أسفلها للتجارة. وكان الخراب شاملا فى هذا المسجد إلى عهد قريب ، فقامت إدارة حفظ الآثار العربية فى السنين الأخيرة بتخلية وترميم ما تصدع من مبانيه وتكملته بحيث أصبح كما نشاهده الآن.

الجامع الأقمر

 الجامع الأقمر 519 هجرية = 1125م. أنشأ هذا الجامع الآمر بأحكام الله سابع الخلفاء الفاطميين بمصر سنة 519 هجرية = 1125م وتخطيطه يقتصر على صحن مكشوف مربع طول ضلعه 10 أمتار تحيط به أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة - عقودها محمولة على أعمدة رخامية فيما عدا أركان الصحن فقد استعيض عن الأعمدة الرخامية بأكتاف مربعة وهذه العقود من النوع المحدب الذى لم يظهر بمصر إلا فى أواخر العصر الفاطمى وكان أول ظهوره فى القبة المعروفة بقبة الشيخ يونس والتى يظن أنها لبدر الجمالى ثم فى هذا الجامع. ويحلى حافة العقود المشرفة على الصحن طراز من الكتابة الكوفية الجميلة كما يحلى تواشيحها أطباق مضلعة تتشعع أضلاعها من جامات مزخرفة. هذا والأروقة الأربعة مسقوفة بقباب قليلة الغور ما عدا البائكة الأخيرة فى رواق القبلة فيغطيها سقف حديث مستو من الخشب. أما المنبر فقد جدد ضمن عملية التجديد التى قام بها فى هذا الجامع يلبغا السالمى فى أيام السلطان الظاهر برقوق فى سنة 799 هجرية = 1396/ 97م وشملت المنبر والمئذنة وغيرهما وأثبت تاريخ هذه العملية فى لوحة ركبت أعلى المحراب وبالرغم من تجديد المنبر فى ذلك الوقت فإنه. مازال محتفظا ببعض زخارفه الفاطمية التى نراها بوجهة عقد باب المقدم وخلف مجلس الخطيب كما نرى بعض زخارف فاطمية أخرى فى بعض حشوات الدواليب الحائطية ومعابرها وكذلك فى تجليد معبرة الباب. وتتجلى شهرة هذا الجامع فى وجهته الفريدة التى جمعت إلى تناسب أجزائها وتناسقها وفرة زخارفها وتنوعها - ولما كان على المهندس أن يراعى اتجاه القبلة فى التخطيط الداخلى فقد جاءت الوجهة الرئيسة منحرفة لتساير اتجاه الطريق وعمد إلى شغل الفراغ المتخلف عن هذا الانحراف بدركاة المدخل وسلم المئذنة وغرفتين فتحتا على الداخل. وهذه الظاهرة - ظاهرة التوفيق بين اتجاه القبلة واتجاه الطريق - أول ما نراها فى هذا الجامع ، ثم نراها بعد ذلك وقد شاعت فى تخطيط المساجد - المدارس - التى أنشئت فى العصر المملوكى. والقسم الظاهر من هذه الوجهة الآن هو المدخل والجناح الأيسر أما الجناح الأيمن فيحجبه منزل حديث البناء ويقع المدخل فى منتصف الواجهة بارزا عن سمتها، وبه الباب المعتب بعتب مزرر يعلوه عقد حلى داخله بأضلاع تسير متوازية من أسفل ثم تتشعع من طبق مستدير زين مركزه بكلمتى - محمد وعلى - مكتوبتين بالخط الكوفى المفرغ فى الحجر تحيط بهما دائرة زخرفية فكتابة كوفية مفرغة ثم دائرة زخرفية أخرى بلغت صناعة الحفر والتفريغ فيها حد الدقة والإتقان. وعلى يسار الباب صفتان تتوج كل منهما أربع حطات من المقرنص وبداخلهما تجويفان ينتهى كل منهما بطاقة مخوصة. كما يعلو هاتين الصفتين تجويفان صغيران عقداهما محمولان على أعمدة ملتصقة. وتعتبر المقرنصات التى نراها فى هذه الواجهة أولى المحاولات فى تزيين الواجهات بهذا النوع من الزخرف الذى يعتبر من أهم مميزات العمارة الإسلامية. ويحلى الجناح الأيسر من الواجهة صفة قليلة الغور تنتهى بعقد مضلع داخله يشبه العقد الذى يعلو الباب وعلى جانبيه معينان فوقهما مستطيلان ازدانت جميعها بزخارف منوعة- هذا ويحلى الوجهة ثلاثة طرز من الكتابة الكوفية المزخرفة.. الطراز الأول فى نهاية الوجهة من أعلى مكتوب فيه اسم الآمر بأحكام الله وإلى جانبه اسم وزيره المأمون البطائحى وألقابه وتاريخ الإنشاء. والطراز الثانى عند منسوب رجل عقد المدخل ومكتوب فيه أيضا اسم المأمون وألقابه وأدعية له وتاريخ الإنشاء. وهذه الظاهرة - ظاهرة اقتران اسم الوزير وألقابه باسم الخليفة - إن دلت على شىء فإنما تدل على ما كان عليه الوزراء فى أواخر عصر الدولة الفاطمية من سطوة ونفوذ. أما الطراز الثالث فيسير عند منسوب عتب الباب ومكتوب فيه بعض آيات قرآنية.

جامع الحاكم


 جامع الحاكم 380-403 هجرية = 990- 1013م. شرع الخليفة الفاطمى العزيز بالله فى إنشاء هذا الجامع سنة 380 هجرية = 990م وأتمه ابنه الحاكم بأمر الله ثالث الخلفاء الفاطميين بمصر سنة 403 هجرية = 1013م وسمى باسمه، وهو ثانى الجوامع الفاطمية بالقاهرة، وكان موقعه فى بادئ الأمر خارج أسوارها الأولى إلى أن جاء بدر الجمالى فأدخله فى حدود المدينة وأقام سورها الشمالى - بين بابى النصر والفتوح - ملاصقا لوجهته الشمالية. وفى سنة 702 هجرية = 1302/ 3م حدث زلزال أدى إلى سقوط قمتى مئذنتى الجامع وتداعى مبانيه فقام الأمير بيبرس الجاشنكير بناء على أمر الناصر محمد بن قلاون فى سنة 703 هجرية = 1304م بتجديدهما وتقويم ما تداعى من عقوده. ومازال أثر هذا التجديد باقيا إلى الآن ممثلا فى قمتى المئذنتين الحاليتين وفى بعض عقود رواق القبلة التى تتميز عن العقود الأصلية بأنها على شكل - حدوة الفرس - على حين أن الأخرى عقود مدببة، وفى الشبابيك الجصية التى بقاعدة القبة فى أعلى المحراب ثم فى كتابة تاريخ هذا التجديد فى أعلى وجهة المدخل الرئيس. ومنذ ذلك الوقت لا يوجد ما يدل على حدوث إصلاحات جدية فى هذا الجامع ، على أن ما بقى من معالمه الأثرية كفيل بأن يعطينا فكرة صحيحة عما كان عليه هذا الجامع من روعة وجلال. وقد احتفظ رواق القبلة بكثير من معالمه القديمة منها المجاز الأوسط بعقوده وأكتافه والقبة المقامة أمام المحراب ، والعقود الأخرى التى على جانبى المجاز المذكور. كما أبقى الزمن على بعض عناصره الزخرفية ممثلة فى طراز الكتابة الكوفية المحفورة فى الجص أسفل السقف وبمربع قاعدة القبة وفى الشبابيك الجصية المفرغة بأشكال زخرفية جميلة تتخللها كتابة كوفية ورسومات هندسية. كذلك الزخارف المحفورة بالأوتار الخشبية التى تربط أرجل العقود بعضها ببعض. ومن البقايا الأثرية التى لا تزال قائمة إلى اليوم يمكن إعادة الجامع على غرار تخطيطه وقت إنشائه ويعنينا على ذلك أنه عظيم الشبه بما بنى قبله من الجوامع إذ يتألف من صحن مكشوف تكتنفه أربعة أروقة مسقوفة يشتمل رواق القبلة على خمسة صفوف من العقود المحمولة على أكتاف مستطيلة القطاع استدارت أركانها على هيئة أعمدة ملتصقة ويشتمل كل من الرواقين الجانبيين على ثلاثة صفوف أما رواق المؤخرة فيشتمل على صفين فقط ويتوسط رواق القبلة مجاز مرتفع ينتهى بقبة أمام المحراب وفى طرفى جدار القبلة أقيمت قبتان جددت رقبة الجنوبية منهما ولم يبق من الأخرى سوى ركن واحد من أركانها ، أما المحراب الأصلى فلم يبق منه غير تجويفه ، وقد نقلت إدارة الآثار العربية الكسوة الرخامية التى كسا بها السيد عمر مكرم هذا المحراب سنة 1223 هجرية = 1808م عندما اتخذ جزءا من رواق القبلة زاوية للصلاة - إلى محراب آخر عملته الإدارة فى جدار القبلة على يمين المحراب الأصلى كما هدمت الباب الحجرى لهذه الزاوية وأعادت بناءه فى صحن الجامع. وتبلغ مساحة الجامع من الداخل 113 فى 120 مترا تقريبا، وكان له عدة أبواب عدا المدخل الرئيس الواقع فى منتصف الوجهة الغربية أهمها بابان على يمين هذا المدخل وآخران على يساره وباب يتوسط كلا من الجدارين البحرى والقبلى كما كان له زيادة تقع أمام الوجهة القبلية شغلت على مر الزمن بأبنية حديثة. ويتشابه هذا الجامع مع جامع ابن طولون فى مادة البناء فكلاهما مبنى بالطوب فيما عدا الحوائط الخارجية لجامع الحاكم فإنها مبنية بالثلاثات ، كما يتشابهان فى شكل الأكتاف الحاملة للعقود وفى طراز الكتابة الكوفية المحيط بدائر السقف مع اختلاف فى المادة ففى جامع ابن طولون طراز من الخشب وفى جامع الحاكم طراز من الجص. أما المجاز القاطع لرواق القبلة فى منتصفه والقبة المقامة أمام المحراب فإننا نشاهد مثيليهما فى الجامع الأزهر ، كما كان للقبتين الواقعتين فى طرفى جدار القبلة نظيرتان فى الجامع المذكور. وهناك ميزة عمارية انفردت بها الوجهة الغربية لجامع الحاكم إذ يتوسطها ويبرز عن سمتها بناء حجرى يتألف منه المدخل الرئيس للجامع ، وهذه الظاهرة العمارية لا مثيل لها إلا فى جامع المهدية المنشأ فى أوائل القرن الرابع الهجرى - أوائل القرن العاشر الميلادى - وقد شوهدت بعد ذلك فى جامع الظاهر بيبرس البندقدارى بميدان الظاهر. وتنتهى هذه الوجهة شمالا وجنوبا ببرجين يتكون كل منهما من مكعبين أجوفين يعلو أحدهما الآخر السفلى من عصر بناء الجامع والعلوى من عمل بيبرس الجاشنكير. وتقوم فى البرج الشمالى مئذنة أسطوانية كما تقوم فى البرج الجنوبى مئذنة أخرى تبدأ مربعة وتنتهى مثمنة. وهاتان المئذنتان مبنيتان من الحجر ومحتجبتان داخل البرجين لا يرى الإنسان منهما من الخارج سوى الجزء العلوى المجدد من كل منهما. ويحلى بدنى المئذنتين والمدخل الرئيس زخارف وكتابات كوفية محفورة فى الحجر كما يحلى جدار البرج الجنوبى من الخارج طراز رخامى محفور فيه بالخط الكوفى آيات قرآنية بلغ الفن الزخرفى فيها جميعا شأوا عظيما يدل على مبلغ ما وصل إليه هذا الفن فى عهد الحاكم بأمر الله من التقدم والازدهار.

الجامع الأزهر

 الجامع الأزهر 359-361 هجرية = 970-972م. عندما تم فتح مصر على يد جوهر الصقلى قائد المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين بمصر ، وبعدما أسس مدينة القاهرة شرع فى شهر جمادى الأول سنة 359 هجرية = 970م فى إنشاء الجامع الأزهر وأتمه فى شهر رمضان سنة 361 هجرية = 972م فهو بذلك أول جامع أنشى فى مدينة القاهرة وهو أقدم أثر فاطمى قائم بمصر. وقد اختلف المؤرخون فى أصل تسمية هذا الجامع ، والراجح أن الفاطميين سموه بالأزهر تيمنا بفاطمة الزهراء بنت الرسول وإشادة بذكراها. وقد كان الجامع الأزهر وقت إنشائه مؤلفا من صحن مكشوف تكتنفه ثلاثة أروقة أكبرها رواق القبلة الذى يتألف من خمسة صفوف من العقود : أربعة منها محمولة على عمد من الرخام تيجانها مختلفة الأشكال والصف الخامس وهو المشرف على الصحن محمول على أكتاف مستطيلة القطاع. ويتوسط هذا الرواق مجاز مرتفع يتجه من الصحن إلى حائط القبلة وينتهى بقبة تغطى الجزء الواقع أمام المحراب كما كان يغطى طرفى البائكة الأخيرة - الشرقية لهذا الرواق - قبتان متماثلتان لم يبق لهم أثر الآن.. أما الرواقان الجانبيان فيتكون كل منهما من ثلاث بائكات محمولة عقودها على عمد من الرخام فيما عدا العقود المنتهية إلى الصحن فإنها محمولة على أكتاف مستطيلة القطاع كما هى الحال فى رواق القبلة. وحوالى سنة 400 هجرية = 1009م جدد هذا الجامع الحاكم بأمر الله ثالث الخلفاء الفاطميين بمصر تجديدا لم يبق من أثره سوى باب من الخشب محفوظ بدار الآثار العربية. وفى سنة 519 هجرية = 1125م أمر الآمر بأحكام الله سابع الخلفاء الفاطميين أن يعمل للجامع محراب متنقل من الخشب وهو محفوظ أيضا بدار الآثار العربية. وفى أواخر العصر الفاطمى - القرن السادس الهجرى - الثانى عشر الميلادى - أضيف للقسم المسقوف من الجامع أربع بائكات تحيط بالحصن من جهاته الأربع محمولة عقودها على عمد من الرخام يتوسط البائكة الشرقية منها قبة أقيمت عند مبدأ المجاز القاطع لرواق القبلة وقد حليت هذه القبة من الداخل بزخارف جصية وطرز من الكتابة الكوفية المشتملة على آيات قرآنية. هذا وقد أبقى الزمن على كثير من الزخارف الجصية والكتابات الكوفية الأصلية التى نراها تحيط بعقود المجاز الأوسط وتحلى خواصرها ثم بعقد وطاقية المحراب القديم كما أبقى الزمن أيضا على بعض الشبابيك الجصية المفرغة - المصمتة الآن - وما يحيط بها من كتابات كوفية وزخارف نراها بنهايتى حائطى رواق القبلة الشرقى والبحرى. وأول الإضافات التى ألحقت بالجامع بعد العصر الفاطمى المدرسة الطيبرسية الواقعة على يمين الداخل من الباب المعروف بباب المزينين بميدان الأزهر التى أنشاها الأمير علاء الدين الخازندارى نقيب الجيوش سنة 709 هجرية = 1309م وأهم ما فى هذه المدرسة محرابها الرخامى الذى يعد من أجمل المحاريب لتناسب أجزائه ودقة صناعته وتجانس ألوان الرخام وتنوع رسومه وما احتواه من فسيفساء مذهبة ازدانت بها توشيحتا عقده. يلى ذلك المدرسة الأقبغاوية المقابلة للمدرسة الطيبرسية على يسار الداخل من الباب سالف الذكر وهى التى أنشأها الأمير أقبغا عبد الواحد استادار الملك الناصر محمد بن قلاون سنة 740 هجرية = 1339م والتى امتازت بمدخلها الجميل وبمحرابها الرخامى الذى لا يقل روعة عن نظيره فى المدرسة الطيبرسية. وحوالى سنة 844 هجرية = 1440م أنشأ جوهر القنقبائى المدرسة الجوهرية وألحقها بالجامع من جهته البحرية وجعل لها مدخلين أحدهما من الجامع والثانى من الخارج ، وبنى بها قبة أعد فيها قبرا دفن فيه. وهذه المدرسة جمعت من طرائف الفن الشىء الكثير. وفى سنة 873 هجرية = 1468/ 69م جدد السلطان قايتباى الباب العمومى الواقع بين المدرستين الطيبرسية والأقبغاوية والمؤدى إلى صحن الجامع كما شيد المئذنة القائمة على يمينه. وكلاهما كغيرهما من أبنية قايتباى حافل بالزخارف والكتابات. ولم تقف أعمال قايتباى عند هذا بل أنشأ رواقا للمغاربة ودورة للمياه. وفى سنة 915 هجرية = 1509/ 10م أنشأ السلطان قانصوه الغورى منارة مرتفعة ينتهى أعلاها برأسين وتقع إلى جانب منارة قايتباى. ومن مميزاتها أن لها سلمين يبتدئان من الدورة الأولى ويتلاقى الصاعدان عليهما عند الدورة الثانية بحيث لا يرى أحدهما الآخر. على أن أهم زيادة أضيفت للجامع هى التى قام بها الأمير عبد الرحمن كتخدا سنة 1167 هجرية = 1753/ 54م فقد أضاف رواقا كبيرا خلف المحراب القديم ارتفع بأرضه وسقفه عن أرض الجامع وسقفه وعمل له محرابا كساه بالرخام وأقام بجواره منبرا من الخشب. كما أنشأ الباب المعروف بباب الصعايدة الواقع فى نهاية الوجهة القبلية وبداخله مكتب لتحفيظ القرآن الكريم تجاوره منارة شيدها عبد الرحمن كتخدا أيضا كما أنشأ قبة على يسار الداخل من هذا الباب أعد بها قبرا دفن فيه. هذا وقد أنشأ كذلك الباب المعروف بباب الشوربة تجاوره منارة أخرى له. كما جدد وجهة المدرسة الطيبرسية وجمع بينهما وبين وجهة المدرسة الأقبغاوية بالباب الكبير ذى الفتحتين المعروف بباب المزينين المشرف على ميدان الأزهر. وحوالى سنة 1210 هجرية = 1795م أنشأ الوالى إبراهيم بك رواقا للشراقوة ، كما أنشأ محمد على باشا الكبير رواقا للسنارية. أما الخديو إسماعيل فقد أمر بهدم باب الصعايدة والمكتب الذى بداخله وإعادة بنائهما كما أمر بإصلاح المدرسة الأقبغاوية. وكذلك أمر الخديو توفيق بتجديد الرواق الذى أنشأه عبد الرحمن كتخدا. وهكذا توالت أعمال التجديد والتعمير بالجامع إلى أن كانت سنة 1310 هجرية = 1892/ 93م حيث قام ديوان الأوقاف العمومية بتجديد العقود المحيطة بالصحن. وفى سنة 1312 هجرية = 1895م أمر الخديو عباس الثانى بإنشاء الرواق العباسى وتجديد الواجهة البحرية المقابلة لمسجد محمد بك أبو الذهب وتجديد السياج الخشبى المحيط بالصحن. وتوجت هذه الإصلاحات بما أمر به حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول من تبليط أرض الجامع بالرخام المستورد من محاجر الهرم وفرشها بالسجاد الفاخر.